* امال شحادة
65% من العائلات الفلسطينية في المناطق المحتلة تعيش تحت خط الفقر. كل عائلة كهذه مؤلفة من 8 أشخاص. فاذا أضفنا الى ذلك سوء أحوال المدارس وانعدام الاهتمام الاسرائيلي بضبط الدوام للتلاميذ، يجد الاطفال أنفسهم اقرب الى الشارع والى سوق العمل، والأخطر من ذلك الى سوق الاجرام. فهل هذه سياسة مخططة لتهديم المجتمع الفلسطيني من الداخل وانشاء جيل من الجانحين؟
"يصيبني الأرق عندما أسمع عن ولادة طفل فلسطيني جديد". هذه الكلمات لم تسمع من مجرد يميني عنصري اسرائيلي. ولا حتى من مسؤول عادي في المؤسسة الصهيونية. انها كلمات امرأة تملك رحماً. كلمات أم. كلمات السيدة التي حملت رسالة اليهود الى العالم ضد النازية وجرائمها. المرأة التي تولت اهم المناصب الحكومية في اسرائيل، من مندوبتها في الامم المتحدة الى وزيرة خارجيتها ثم أصبحت رئيسة لحكومتها (1969-1974)، انها غولدا مئير. وكلماتها لم تكن مجرد زلة لسان، بل هي زبدة السياسة التي اتبعتها حكومات اسرائيل على مدى تاريخها في حق الفلسطينيين.
فقد سبقها أول رئيس حكومة في اسرائيل، دافيد بن غوريون، الى القول: "أخطأنا عندما أبقينا بين صفوفنا عربا" وغضب جداً عندما رأى كلمات عربية في بطاقة هويته، فامتنع عن حملها في جيبه. وتبعها رئيس حكومة آخر، هو اسحق شمير الذي قال: "الفلسطينيون غلاظ القلوب. انهم يجبرون ابناءنا على قتل أبنائهم". وسيطر هذا الموقف على السياسة الرسمية برمتها. وكانت النتيجة التي نعرفها جميعاً، القتل ثم القتل ثم القتل.
فإن لم تنجح في قتل الطفل الفلسطيني بالرصاص وبصواريخ "الاباتشي" قتلته عندما سعت لحرمانه من أبسط الحقوق في الحياة. فسلبته أرضه وقتلت والده وهدمت بيته وأذلت أمه على الحواجز واعتقلت شقيقه... ولم تكتف. فحرمته التعليم ومن العلاج وهو مريض، وحتى هذا لم يكفها فسلبت منه أبسط حقوقه، أن يعيش بهدوء كبقية أطفال العالم أن يعيش طفولته.
حالة قاسية يعيشها الطفل الفلسطيني اليوم، وقد تدهورت خلال السنوات الثلاث الاخيرة عندما شددت السلطات الاسرائيلية بقيادة رئيس وزرائها ارئيل شارون، من قساوة المعاملة تجاه الفلسطينيين وحولت كل عائلة وحي وبلدة فلسطينية الى سجن كبير في طليعة نزلائه الطفل الفلسطيني.
والارقام والمعلومات تتحدث عن نفسها: 30$ منهم لا يتعلمون. 4،8$ أميون. الآلاف يعملون في الاسواق اليهودية وفي مفارق شوارعها ورشات البناء في ظروف عمل خطيرة. ومئات المرضى لا يتلقون العلاج لعدم وجود عيادات ومستشفيات ومنعهم من عبور الحواجر العسكرية. والمئات وجدوا في الانحراف المخرج من هذه الأزمة. فبات الطفل الفلسطيني، مستقبل فلسطين، لقمة سهلة لسياسة القمع الاسرائيلية وعرضة للجهل والموت وحياة العذاب يومياً. وحالة اليأس التي يعيشها الفلسطينيون من جراء هذه المعاملة القاسية ساعدت في تحقيق هدف بعض الاسرائيليين الذين يتمنون ان يقضي الفلسطيني على الفلسطيني. فبعدما بات رب العائلة عاجزاً عن العمل وعن توفير لقمة العيش، أخذ الطفل ، وإن كان لا يتعدى السنوات التسع فقط ، مسؤولية العائلة على عاتقه فترك مقاعد الدراسة وأهمل صحته وانطلق الى ورشات العمل رغم كل مخاطرها. وهناك من لم ينجحوا في التاقلم مع هذه الظروف فانحرفوا. وحسب ما أشارت دراسة للحركة العالمية للدفاع عن الاطفال- فرع فلسطين ، فإن مشكلة الجنوج باتت أخطر التحديات التي تواجه المجتمع الفلسطيني.
30% خارج مقاعد الدراسة
يبقى التعليم الركيزة الأساسية لبناء مجتمع سليم. والتدهور الذي طرأ على هذا المجال خلال السنوات الثلاث الأخيرة بات يهدد التعليم الفلسطيني ومن ثم يعرض المجتمع الفلسطيني لمخاطر كبيرة.
مدينة القدس ، كانت عنوانا لدراسة خاصة أجراها مركز القدس حول وضعية تعليم الاطفال الفلسطينيين. فهذه المدينة عانت أقسى اصناف المعاناة من الحكومات الاسرائيلية منذ العام 1967وهذا ما انعكس على أوضاع الاطفال الفلسطينيين.
15ألف طفل فلسطيني لا يصلون الى التعليم. يتسربون ويقطعون دراساتهم منذ بدايتها. الاكثرية من جيل يراوح ما بين 8 و 16 عاماً يتوجهون الى العمل أو التسكع في الشوارع. فالنقص الكبير في الميزانيات التي تخص التعليم في القدس يشكل أساساً لهذا الوضع، والمعطيات تدل على أن 26% من موازنة بلدية القدس تتشكل من عائدات الضرائب التي تجمع من فلسطينيي القدس لكن قطاع الخدمات لا يحظى إلا بـ 6% من العائدات ويصرف عليه2% فقط . وحسب المعطيات فقد بلغت نسبة الامية للاطفال في القدس 4،8%.
وليس صدفة وجود هذه النسبة من الأميين الاطفال بعدما وجدت اسرائيل في الجهل وسيلة سهلة لاستهداف الفلسطينيين او سلخهم عن انتمائهم وثقافتهم وتحويلهم الى "سقائين وحطابين" في سوق العمل الاسرائيلي . وكما يقول مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في بحثه حول الموضوع، فإن اسرائيل نفذت هدفها هذا من خلال النظام التعليمي في المدارس الرسمية في القدس العربية المحتلة، ورفعت نسبة المتسربين من الاطفال الفلسطينيين دون ضمان وجود اية جهة رسمية تعالج هذه الشريحة الواسعة.
---------------------------